حد الجملة

للعلماء فيه مذهبان:
المذهب الأول:أن الجملة ما وُجِد فيه التركيب الإسنادي أفاد أم لم يُفد،وهو مذهب جماهير العلماء من المتقدمين والمتأخرين .
فمثال التركيب الإسنادي المفيد قوله:{تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ}،وقوله:{ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ}،ومثال التركيب الإسنادي غير المفيد جـملة:{ إَن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ} الشرطية في قوله :{يَـٰۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إَن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ
}.
المذهب الثاني:أن الجملة مرادفة للكلام،وهو ظاهر مذهب عثمان بْن جِنِّي في اللمع حيث قال:«وأما الجملة فهي كل كلام مفيد مستقل بنفسه.»،ومثله مَحمود بن عمر الزَّمَخْشَرِي فـي كتابه الْمفصل فإنه قال فيه:« والكلام هو المركب من كلمتين أسندت إحداهما إلى الأخرى وذاك لا يتأتى إلا في اسمين،كقولك:زيد أخوك وبشر صاحبك،أو في فعل واسم نحو قولك:ضرب زيد،وانطلق بكر،وتسمى الجملة 
».
وعلى ذلك عبدالله بن الحسين أبوالبقاء العكبري أيضاً،فقد قال في كتابه اللباب في علل الإعراب والبناء:«والجملة هي الكلام الذي تحصل منه فائدة تامة
».
الراجح ـ والله أعلم ـ مـن هذين الْمذهبين مذهب الْجمهـور لعدة أوجه :
الوجـه الأول:أن مَن تأمــل اشتقـاق الْـجملة والكـلام بان لـه تغايرهـما في اللغة ؛ لأن اشتقـاق الْجملة مِـن «مـن أجـْمـلت الشيء إذا جـمـعـته.»،والشيء الْمجـمـوع لا تُشترط فيه الإفادة والتأثير،أما الكلام فهو مشتق من «الكَلْمِ،وهو الجرح،والجرح مؤثر في نفس الْمجروح فليزم أن يكون الكلام مؤثرا في نفس السامع.»،ولا يكون مؤثراً في نفس السامع إلا إذا كان مفيداً فائدة يحسن السكوت عليها .
الوجـه الثاني:أن العلماء يسمون صلة الْموصول،والشرط،والْجواب جـملة في نحو قول الله تعالى:{تَبَارَكَ ٱلَّذِى بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ}،وقوله:{وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ} مع إقرارهم بعدم إفادة كلٍ منهما معنىً يصح عليه السكوت؛ أن صلة الموصول معناها لا يتم إلا بموصولها،والشرط لا معنى له إلا بجوابه .
وقل نحو هذا في الجمل الواقعة خبراً،وحالا،وصفة؛أنّه لا مشاحّة في أن النحاة يسمونها جملاً؛ لوجود التركيب الإسنادي فيه؛لا لصحة استقلالها بالمعنى في سياقها،هذا من وجهٍ .
ومِن وجــهٍ آخــــر هي واقعة موقع الْمفرد،كوقوع جـملة الحال (يَبْكُونَ) موقع (باكين) في نحو قول الله تعالى:{وَجَآءُوۤا أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ}،ولا قائلَ بدلالة المفرد على معنىً يفيد فائدة الكلام في اصطلاح النحاة .
الـوجه الثالث:قول الزمخشري في كتابه المفصل في حديثه عن الشرط:« إن ولو يدخلان على جملتين فيجعلان الأولى شرطا والثانية جزاء كقولك:إن تضربني أضربك،ولو جئتني لأكرمتك»، وقوله في حديثه عن أنواع الخبر:«والجملة على أربعة أضرب:فعلية واسمية وشرطية وظرفية، وذلك نحو:زيد ذهب أخوه،وعمرو أبوه منطلق،وبكر إن تعطه يشكرك وخالد في الدار.
لو تأملته جيداً لأينقتَ أنه لا يريد به حتما مرادفـة (الجملة) لـ(الكلام) التي فُهِمت من قوله ـ الآنف الذكر ـ في مقدمة كتابه؛ أن جملة الشرط لا تدل على معنى تام إلا بجملة الجواب، والخبر الواقع شرطاً في قوله:«وبكر إن تعطه يشكرك وخالد في الدار ـ»وإن سماه جملة شرطية إلا أنه لا معنى له إلا بالمبتدأ
ثم إنه مرة عبر عن الشرط وجوابه بـ(الجملتين) في حديثه عن الشرط،ومرة عبر عنهما بـ(الجملة) في حديثه عن أنواع الخبر.
ففُهِم مِن ذلك أن الجملة لا تُرادِفُ الكلامَ عنده على ما تقتضيه إطلاقاته في كتابه،وإن سماه جملة عند حده لـ(الكلام) في أول كتابه .
الوجـه الرابع:ما نُسِب إلى محمد بن يوسف ناظر الجيش من أنه قال في شرح التسهيل:«وأما إطلاق الجملة على ما ذكر من الواقعة شرطا أو جوابا أو صلة فإطلاق مجازي؛لأن كلا منها كان جملة قبل فأطلقت الجملة عليه باعتبار ما كان كإطلاق اليتامى على البالغين نظرا إلى أنهم كانوا كذلك»،يرِدُ عليه أنّ إطلاق الجملة على الشرط،وجوابه،والصلة ما زال إطلاقاً حقيقياً ؛ لأن التركيب الإسنادي المشروط في تسمية الْمركب جـملةً لا يزول عن الْجملة أينما وقعت،سواءً كان لَها معنى يَحسن السكوت عليه فتسمى كلاماً،وجـملة؛لوجود التركيب الإسنادي،أم لا فتسمى جـملة فقط؛ أن الإسناد ملازم لها.
الوجـه الخامس:قول الزمـخشري فـي كتابه الْمفصل:«والكلام هو الْمركب من كلمتين أسندت إحداهـما إلى الأخرى،وذاك لا يتأتى إلا فـي اسْمين،كقولك:زيد أخوك،وبشر صاحبك ، أو في فعـل واسم نحو قـولك : ضرب زيد ، وانطلق بكر ، وتسمى الجملة ـ»، فهمت منه أمــــراً غير الْـمشهــور عنه ـ والله à أعلــــم ـ،وهـو أنه يريد أن يُخبِرَ أن الـكـلام لا يكون إلا بإسناد كلمـة إلـى أخـرى،وهو الْمُسَمَّى بـ(الْجُملــة)،أي الإسناد، ا أنه يُرادِف بين (الْجملة)
و (الكلام)،وصنيعه فـي كتابه يدل على ذلك ـ والله أعلـم ـ إذ كيف يقول الزمَخشري:«إن ولو يدخـلان عـلى جــملتين فيجعــلان الأولى شرطاً،والثانية جــــــزاء كقــــولك:إن تضربني أضربك ، ولو جئتني لأكرمتك» مع أنه فُهـم من كلامه ِمـرادفة (الْجملة) لـ(الكلام)،وهو ـ هنا ـ صـرح بأنَّ الشرطَ جـمــــلتان:(الأولى تسمى شرطــاً،والثانية تسمى جـــــــزاءً)،ولا مــعنى لإطــــلاق مُسَمّى (الكلام) على أحد الجملتين دون الأخرى في اصطلاح النحاة
.
ومحصل الأمر أن (الجملة) و(الكلام) يشتركان في اشتراط التركيب الإسنادي في كل منهما ، ويفترقان في اشترط الإفادة في (الكلام) دون (الجملة)،وهذا معنى قول ابن هشام الأنصاري في المغني:« وبهذا يظهر لك أنهما ليسا مترادفين كما يتوهمه كثير من الناس … والصواب أنها أعم منه إذ شرطه الإفادة بخلافها ـ» أي ليسا مترادفين فـي اشتراط الإفـادة؛لأن جـمهور النحاة اشترطـوا الإفـادة فـي (الكلام) دون (الجملة).

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إعراب أي الشرطية

أعرب:لأستسهلنّ الصّعب أو أدرك المنى.... فما انقادت الآمال إلا لصابر

ما الفرق بين ذا و ذو وذي ومتى نستعمل هذه أو تلك؟