إحصائيات

زوار المحفظة

الاثنين، 24 يناير 2022

شواذ التصغير

 I. موضوع المقالة
قد نقل علماء اللغة عن العرب كلمات مسموعة مخالفة لما تقدم ذكره من قواعد باب التصغير، وعلماء التصريف يذكرون هذه الكلمات تحت عنوان (شواذ التصغير)، وهذه الكلمات تحفظ وتستعمل كما استعملها العرب لفصاحتها لكنها لا يقاس عليها غيرها، وإذا استعمل مكبر هذه الكلمات، ووضع وضعًا جديدًا بأن سمي به فإنه يصغر في تلك الحالة على قياس القاعدة، كما ذكر ذلك سيبويه: وفيما يلي ذكر بعض هذه الكلمات مرتبة ترتيبًا أبجديًّا:
1- أبينون، ذكره سيبويه في الكتاب، وهو تصغير (بنون) على غير قياس، والقياس رد لامه المحذوفة وتصغيره على لفظه فيقال: بنيُّون، وقد جاء هذا المصغر الشاذ في قول سلمى بن ربيعة الضبي:
زعَمَتْ تُماضِرُ أنَّني إِمَّا أمُتْ...يَسْدُدْ اُبَيْنُوهَا الأصاغِرُ خَلَّتي
والقياس أن يقول: بنيوها، ووجه شذوذ أبينون عند البصريين أنه جمع لمصغر لم يثبت مكبره إذ إن تقديره عندهم: أنه جمع لأُبَيْنٍ مصغر أبني على زنة أفعل كأعلى، وهذا المكبر لم يثبت.
2- أصيبية: ذكره سيبويه أيضًا، وذكر أنه تصغير (صبية) وذكر معه قول العرب: أغيلمة في تصغير (غلمة) وقال: (كأنهم حقروا أغلمة وأصبية، وذلك أن أفعلة يجمع به فُعال وفَعِيل، فلما حقروه جاءوا به على بناء قد يكون لفُعِال وفَعِيل، فإذا سميت به امرأة أو رجلًا حقرته على القياس، ومن العرب من يجريه على القياس فيقول: صُبية وغُليمة، ومال الراجز
صُبَيَّةً على الدُّخانِ رُمْكَا...ما إنْ عَدا أَصْغَرُهم أنْ زَكَّا
ومعنى رمكا: ألوانهم كلون الرماد، وعدا معناه: جاوز، ويقال: زك زكيكا: (دب وقارب الخطو والراجز يذكر صبية صغارًا تجمعوا حول دخان النار وقت الشتاء فاغبروا وتشعثوا وصاروا رمكًا ووجه الشذوذ في أصيبية وأغيلمة أن العرب صغروا جمع التكسير للقلة برده إلى جمع تكسير آخر للقلة، حيث ردوا غلمة وصبية إلى أغيلمة وأصبية ثم صغروهما، والقياس تصغيرهما على لفظهما فيقال: غليمة وصبية.
3- أصيلان: ذكره سيبويه أيضًا وهو تصغير (أصلان) جمع لـ(أصيل) على غير قياس، ووجه شذوذه أنه صغر جمع الكثرة على لفظه والقياس أن يرد إلى المفرد، وتصغر المفرد ثم يجمع جمع المؤنث السالم فيقال في تصغيره: أصيلات جمع أصيَّل مصغر (أصيل) وقد ورد في تصغيره أيضًا: أصيلال بإبدال اللام من النون، وسيأتي في باب الإبدال أن هذا من الإبدال الشاذ فيكون في (أصيلال) شذوذان: شذوذ التصغير، وشذوذ الإبدال.
4- أنيسيان: ذكره سيبويه أيضًا، وقال: (كأنهم حقروا إنسيان) وهو تصغير (إنسان) على غير قياس؛ وذلك لأن (إنسان) اسم جنس على وزن فعْلان، فالقياس أن يقال في تصغيره: أنيسين كما تصغر سرحان على سريحين، لكنهم زادوا عليه ياء قبل تصغيره شذوذًا فصار إنسيان فصار مختومًا بألف ونون زائدتين بعد أربعة أحرف، ولم يعتد بهما لكونهما في تقدير الانفصال فصغر كما يصغر زعفران وجلجلان ونحوهما فقيل إنيسيان.
وقال بعضهم: إنسان من الإنس ضد الوحشة فهو متضمن معنى الوصف، وما كان كذلك يستثنى من كسر ما بعد ياء التصغير كما في سكران وعريان حيث يقال في تصغيرهما: سكيران وعريان، فالقياس في تصغير إنسان هو إنيسان.
وقال الكوفيون: إنيسيان تصغير قياسي لإنسان من النسيان ووزنه إنسان: إفعان وأصله إنيسيان بزنة إفعلان حذفت لامه وهي الياء تخفيفًا لكثرة الاستعمال ثم ردت إليه في التصغير، فوقعت الألف والنون فيه بعد أربعة أحرف فأعطي حكم زعفران، ورد عليهم ابن سيده بأن هذا التخريج فيه حذف الياء التي هي لام الكلمة لغير مقتضى، والأصل عدم الحذف إلا لداع. وبأنه الأقرب أن إنسانًا مشتق من (أنس) وذلك أن أنس الأرض وبهاءها وتجملها إنما هو بهذا النوع الشريف اللطيف، والتعلل بقوله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ} [طه: 114] لا يفيدهم؛ لأنه لو كان مشتقًّا من نسي لقيل: إنسيان ولم ينطق بهذا أحد من العرب.
5- رويجل: ذكره سيبويه أيضًا، وهو تصغير (رجل) على غير قياس بزيادة واو في المصغر والقياس رجيل بإسقاط الواو، وقد قيل: إن الذي سهل الشذوذ في هذا المصغر أن رجلًا جاء في الاستعمال اللغوي بمعنى راجل أي مساش كما في قول حي بن وائل الخارجي:
أما أقاتل عن ديني على فرسي...أو هكذا رجلًا إلا بأصحاب
والمعنى: أو هكذا راجلًا؛ لأنه جعله مقابلًا لكونه على فرسه، فزيادة الواو في تصغير رجل لملاحظة معنى فاعل إذا استعمل بمعنى ماشٍ ثم توسع العرب في تصغيره على رويجل سواء أكان بمعنى راجل أم بمعنى إنسان، وهذا قول معقول.
6- عشيشية، ذكره سيبويه أيضًا وقال: سمعنا من العرب من يقول في عشية: عشيشية، فهو إذن تصغير عشية على غير قياس، والقياس في تصغيرها: عشية، والأصل: عشيية بثلاث ياءات في آخر المصغر أولاها ياء التصغير وليس فيها ياء النسب فتحذف الياء الثالثة كما في معية تصغير معاوية، وإنما حذفت الياء الثالثة في ذلك اعتباطًا لمجرد التخفيف، وفتحت الياء الثانية في المصغر لأجل تاء التأنيث.
7- عشيشيان وعشيان في تصغير عشي، والعشية والعشي يطلقان على الوقت الممتد من زوال الشمس إلى غروبها، والقياس في تصغير عشيّ هو: عشيٌّ، وأصله: عشيِّيٌ بثلاث ياءات في آخر المصغر أولاهما ياء التصغير، وليس فيها ياء النسب فتحذف الياء الثالثة اعتباطًا للتخفيف.
8- عقيربان في تصغير عقرب، ووجه الشذوذ زيادة الألف والنون في المصغر، والقياسي عقيرب بوزن فعيعل.
9- لييلية وهو تصغير ليلة غير قياس حيث زادوا في آخر المصغر ياء وكأنهم صغروا ليلاة والقياس في تصغير ليلة: لُيَيْلة.
10- مغيربان وهو تصغير مغرب على غير قياس حيث زادوا في آخر المصغر ألفًا ونونًا، والقياس إسقاطهما فيقال: مغيرب، وهذا المثال صدر به سيبويه حديثه عن شواذ التصغير حيث قال: (هذا باب ما يحقر على غير بناء مكبره الذي يستعمل في الكلام فمن ذلك قول العرب في مغرب الشمس: مغيربان الشمس، وفي العشي: آتيك عشيانا، وسمعنا من العرب من يقول في عشية: عشيشية فكأنهم حقروا: مغربان، وعشيان وعَشَّاة).
 المراجع والمصادر
1-الإستراباذي، رضي الدين محمد الإستراباذي، تحقيق: عبد المقصود محمد عبد المقصود، شرح شافية ابن الحاجب، مكتبة الثقافة الدينية 2004 م.
2-ابن جني، أبو الفتح عثمان: المنصف، تحقيق، إبراهيم مصطفى وعبد الله أمين، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده - مصر 1954م.
3-ابن عقيل، الإمام بهاء الدين بن عقيل، تحقيق: محمد كامل بركات، المساعد على تسهيل الفوائد، دار الفكر، 1980م.
4-الحملاوي، أحمد محمد الحملاوي، شذا العرف في فن الصرف، المكتبة العصرية للطباعة والنشر2000م.
5-الأشموني، نور الدين أبو الحسن الأشموني، تحقيق: عبد الحميد السيد، شرح الأشموني على ألفية ابن مالك، المكتبة الأزهرية للتراث 1993م.
6-النقره كار، عبد الله بن محمد بن أحمد النقره كار، شرح الشافية في التصريف،مخطوطات مكتبة الملك عبد العزيز 1374م.
7-خالد الأزهري، خالد بن عبد الله الأزهري، شرح التَّصريح على التوضيح، المطبعة المصرية - بولاق 1294ھ.
8- شبانة،عبد السميع شبانة، القواعد والتطبيقات في الإبدال والإعلال، طبعة الجامعة الإسلامية – المدينة المنورة 1982م.
9-كحيل، أ.د أحمد حسن كحيل، التبيان في تصريف الأسماء، الطبعة السادسة، بدون ذكر لدار النشر.
10-عباس، عباس حسن، النحو الوافي مع ربطه بالأساليب الرفيعة والحياة اللغوية المتجددة، دار المعارف 1986م.
11-عضيمة، محمد عبد الخالق عضيمة، اللباب من تصريف الأفعال، دار الحديث –القاهرة 1988م..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمكنك التعليق بشرط أن يكون تعليقك له علاقة بالمنشور وليس فيه إساءة.
لا ينشر التعليق إلا بعد موافقتي.

ابحث(ي) هنا