هيبة الكتاب والمكتوب
النص لا أنسى وهلة فتاة ذكية حين دخلت مكتبتي عرضا في بعض الأيام .كانت على شيء من التعليم،وكانت تميل إلى القراءة،ولكنها فوجئت بهذه الكتب المتجمعة،فصاحت على غير ورية منها:"يا سلام!كتب،كتب،كتب،كل هذا كتب!شيء يدوخ!ومالت برأسها كأنها تهرب من دوار ينرها بإغماء. ألا ترى يا صاحبي،أن هذه الفتاة قد عرفت الكتب،فلم تعرفها جلودا وأوراقا وألوانا تشوق العيون،ولكنها عرفتها كما هي في الحقيقة زحمة من الأفكار والمعارف تشفق منها على رأسها الصغير؟فسألتها: أهذه أول مكتبة رأيتها حياتك؟ولم تزد على أن تقول:رأيت غيرها كثيرا،ولكني لا أدري لماذا دخت وأنا أنظر إليها هنا؟ فلم أعجب من وهلة الفتاة كما عجبت من صدق إحساسها فالكتب في السوق بضاعة للبيع، والكتب في المدرسة موزعة بين أيدي الأساتذة والطلاب،ولعلهم مئات،ولعلهم ألوف،فلا توحي إلى الخاطر تلك الزحمة التي ترهق الرؤوس،أما الكتب في حجرة واحدة،في بيت رجل واحد فللفتاة العذر إذا خافت منها على رأسها الدوار! ولا إخال هه الهيبة للكتاب بعيدة من هيبة المكتوب،عند القبائل الفطرية كما أنبأنا عنها رواد المجاهل الإفريقية فإنهم لا يفهمون هناك كيف يقرأ الرجل الورقة ويفهمها