إحصائيات

زوار المحفظة

الاثنين، 5 سبتمبر 2016

الطّبيعة والإنسان

الطّبيعة والإنسان... !  أحمد رضا حوحو
كان يومُ الأحد أَوَّلَ يوم من فصلِ الرّبيعِ، وكانت جميعُ هذه المخلوقاتِ التي تعمر هذه
الأرياف من جبال ووديان وأشجار وأزهار وحيوانات من حوش وطيور، كلّها تنتظر
بفارغ صبرها طلوعَ الشّمس من مخبئها، عندما بزغَتِ الشمسُ وظَهَرَ لأولِ مرَّةٍ منذ
أشهر طوال، أَوَّلُ شُعَاعِها يلمع كأنَّه قضيبٌ ذهبيٌّ مرصَّعٌ بلآلِئ دُرِّيةٍ، فازدهرت الأزهار
واخذتِ العصافير تغني أجمل ألحانها وخرجت الوحوش من أدغالها لتشاهد هذا المنظر
الفَذّ البديعَ، ولم تكن هذه الحيواناتُ وهذه النباتاتُ وحدها محتفِلةً بهذا اليوم الجميل،
بل كان بينهم من النّوع الإنسانيّ من يشاركُهم في أفراحهِم، وهو «عليّ » الشابّ الرّيفيّ
الّذي كان جالسا ع ىل هَضَبَةٍ يشاهد من بعيد غَنَمَهُ تَرْعى، وهو يعزف بكلّ قواه على
مزماره، وفي تلك اللّحظة شتمي بخُطوات سريعةٍ قاصدة البحيرة، ظهرت امرأة تحمل
بين يديها طف ال صغيرا، وهي مُصْفَرَّةُ الوَجْهِ مضطربة الفكر باكيّةُ العين.
وضع ع يلُّ مزماره، وطَفَقَ يلاحظها من دون أن تراه، وهو يتعجّب من الباعث الّذي
أتى بها في هذا الصَّباحِ الباكرِ، وما هي إلاّ بُرْهةٌ قصيرة حتى وصلت المرأة إلى ضفاف
البحيرة ووضعت حِمْلَها ع ىل الرَّمْلَةِ النّاعمةِ، وهو ولدٌ صغيرٌ ) لا يتجاوز عمْرُهُ بضعةَ
أشهر(. وأخذت هذه الأمّ العجيبة تتأمّله آنا، والبحيرة أخرى، ثم انحنَتْ ع ىل الطّفل
وطبعت ع ىل خدَّيْه قُبلتينِ حارّتينِ وعيناها تَسُحَّان العَبَاتِ ثم انتصبت قائمة، وبعدما
ألقت عليه نظرة أخيرة كلّها عطف وحنان خاطبته قائلة:
- الوداع يا عزيزي ! أنت في كنف الله يا بني ورعايته ! ثم قَفَلَتْ راجِعةً من حيث
أتَتْ، وقلبها يَقْطُرُ دما، ولكنّ عليا الّذي كان يشاهد من أع ىل الهضبة هذا الحادث
المؤلم، قفز من مكانه منطلقا كال ربَْقِ يريد إدراك هذه المرأة، وبمجرّد ما أحسّت به
خرجت عن شعورها والتفتت نحوه صارخة في وجهه:
- دعني ! ، اتركني ! ، خذوه إن شئتم، واعطفوا عليه إنه بَرِيءٌ لا ذنب له.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمكنك التعليق بشرط أن يكون تعليقك له علاقة بالمنشور وليس فيه إساءة.
لا ينشر التعليق إلا بعد موافقتي.

ابحث(ي) هنا