إحصائيات

زوار المحفظة

الاثنين، 5 سبتمبر 2016

الشّاعر المضطهد

الشّاعر المضطهد    مالك حداد
ولمْ يكُن يحبُّ الحياةَ، ولكنّه كان يتمنّاها للغير، وكان يُبرِّرُ ذلك لنفسِهِ بمحبَّته للإنسانيّة،
إنّه محرومٌ من حنانِ الطّفولةِ، ومن الاِمتحانات الشّهرية، ومن الصّف الذي يجب أن يعاد
إلى الأمّ.
لقد بلغَ مسامعَ خالد بن طبّال أن كثيرًا من النّاسِ يردِّدونَ أشعارَهُ في الجِبَالِ والسّجونِ.
ولم يكن يشعرُ لذلك بالاعتزازِ أو الفرحِ، بل كان يشعرُ بالخوفِ. كان يتساءلُ: هل أنا في
مستوى الرِّجال، وثورة هؤلاء الرّجال، من السَّهل جِدَّا أن أكونَ رجُلاً مثل سائر الرِّجال، ولكن أن أكون إنسانا، فهذا هو الأمر الصَّعْبُ.
لا يمكن للإنسان أن يتعلَّمَ معنَى الوطنِ أو يشرحهُ في كلماتٍ، كما أنّه لا يستطيع أن يقصّ
قصّةَ الوطنِ. وقد تركَ اللهُ عبادَه في حالةٍ يُخَيّلُ إلى النّاس فيها أنّه سبحانه قد خلقهم درجات
متفاوتة، وأنّه ترك حلَّ مشاكلهم إلى إنسانيّتهم الّتي كثيراً ما تنزل دون مستوى الإنسانيّة.
ولكن حينما سيرحل الوحوشُ، سواء منهم الوحوشُ الصّغارُ أو الوحوش الكبارُ، أو الوحوشُ
الّذين نلتقي بهم كلّ يوم، أو الوحوشُ الّذين لا يشبهون الوحوشَ ولكن يستفيدون، على
درجات متفاوتة من الاستعمار الوحشيّ. حينما سيرحلون، سيرحلون كلُّهم، سيذهبون كلُّهم
ولن يبقى في شوارع قسنطينة، وفي الجبال التي ستعود كما كانت خضراءَ، لن يبقى سوى
الرّجال، أولئك الأطفال الكبار الّذين أصبَحُوا أسطورةً يرويها التّاريخُ.
وسيبقى الحبّ، وسيشرق الفجرُ، وستعود السيّادةُ، أعلَ مراتب الحقوقِ المقدّسة، والجزائرُ
الّتي يسبّها البعضُ من أجل حوادثها اليوميّة، ستذكِّرُ النّاسَ أنّ الفوضى لا تنشأ عن سوء
التّفاهم، ولكن عن الجهل وعدم احترام الغير.
نصّ مقتطف عن رصيف الأزهار لا يجيب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمكنك التعليق بشرط أن يكون تعليقك له علاقة بالمنشور وليس فيه إساءة.
لا ينشر التعليق إلا بعد موافقتي.

ابحث(ي) هنا